سطورة عشتار وأدونيس
تقول الأسطورة كما رواها الكاتب السوري _ الروماني: أوفيد: " ما إن كبر أدونيس ( أدون= السيد,الرب) حتى تعلقت عشتار به وأنساها رعاية شطآن جزيرتها (القترا) وأصبحت رفيقته تصحبه أنى ذهب. وتركت ما تعودته من استرخاء في ظلال الأشجار والعناية بجمالها وزينتها, وأصبحت تجول في الغابات والجبال مشمرة ثيابها حتى ركبتيها... وأخذت تنصح أدونيس باتباع نهجها محذرة إياه من الوحوش مؤملة في أن يصغي النصح لها. وقالت له (كن جسوراً... ولا تأمن الحيوانات التي تتعرض لك. ولا تكن طائشاً حتى لا أغدو تعسة بعدك يا فتاي الحبيب. لا تتعرض للحيوانات التي زودتها الطبيعة بأسلحة حتى لا أدفع غالياً أنا ثمن مجدك الذي تبلغه. فليس لشبابك وجمالك وسحرك الذي يفتن عشتار أثر على الأسود والخنازير البرية المشعثة الشعر. فهي لا تخشى الوحوش ولا ترهبها. ثم إن الخنزير البري كالبرق في انقضاضه بمخالبه. وإن الأسد إذا أثير يتوثب دائماً للهجوم.
وانطلقت عشتار بمركبتها في الأجواء بعد أن حذرت أدونيس غير أن الشجاعة لا تجدي فيها التحذيرات فلقد لمح خنزيراً برياً كانت كلابه قد اقتفت أثره وأثارته من وجاره. وكاد أن يخرج من الغابة , فأنفذ في جنبه رمحه بطعنة قاتلة. وأسرع الحيوان فنزع الرمح الدامي بخطمه الملتوي فدب الذعر في قلب أدونيس وأخذ يبحث عن مأوى غير أن الخنزير الوحشي تعقبه وعض فخذه قريباً من خصيته بنابه فتلوى فوق الأرض محتضراً على التراب وحيداً. وبلغت أنات أدونيس المحتضر عشتار التي لم تكن قد بلغت جزيرة كفتور. فاستدارت واتجهت إليه ولمحته عن بعد مضرجاً بدمائه فاقد الوعي . فقفزت إليه وشقت ثوبها عند صدرها وشدت شعر رأسها وأخذت تلوم الأقدار وصاحت فيها قائلةً: لا لن يخضع لك شيء. وسوف يبقى أدونيس ذكرى حزن بالغ للأبد. وسوف يمثل كل عام مشهد موتك يذكر بما كان فيه من نواحي عليك, ولتنبثقن زهرة من دمائك, وصبت عشتار على دم أدونيس بعد كلماتها هذه رحيق زهرة عطرة جميلة لم يكد يمسه حتى أخذ الدم يغلي ويفور وتصاعدت منه فقاعات صافية ولم تكد تمضي ساعة من الزمن حتى انبثقت من بين الدماء زهرة بلون الدم شبيهة بزهرة الرمان تخفي بذورها تحت لحائها غير أن المتعة التي تمنحها هذه الزهرة قصيرة العمر, لأنها زهرة رقيقة واهنة الساق, تعصف بها الريح التي خلعت عليها اسمها وهي زهرة شقائق النعمان"
نلاحظ في هذه الأسطورة التي أضيف إليها في اليونان وإيطاليا فيما بعد توشيات وزخرفات أساءت إلى القصد منها, أنها وضعت أساساً لغاية تعليمية . فالإله الذي نزل إلى العالم الفاني هو الإنسان وعليه أن يعيش الحياة بكل ما فيها من مخاطر ومعاناة. والخنزير البري الذي قتل أدونيس هو عدو الخصب والزراعة مدمر المحاصيل, ولقد أصاب خصب الإله أي خصيته. وإن دم الإله القتيل هو الربيع القادم المتمثل في أزهار شقائق النعمان. علماً أن أصل كلمة النعمان هي "النحمان" وتعني القائم من الموت والإبدال من الحاء إلى العين كثير في العربية القديمة والحديثة. والكلمة عربية قديمة وهي في القاموس السرياني من الفعل "نحم" ويعني : بُعث, حيا, قام من الموت ثم اختفت الحاء كما في اللهجة المندائية التي منشؤها في الأرض المركز في بلاد غامد نفسها وجرى الإبدال مع العين. أما العناصر التعليمية الأخرى فهي العناصر الطقسية: فكما ناحت ولطمت وندبت عشتار على الاله القتيل هكذا على النساء السوريات أن يفعلن وكما أمرت عشتار "سوف يمثل كل عام مشهد موته ليذكر بما كان فيه من نواحها عليه" فمن هنا كانت بداية التمثيل المسرحي في سوريا وفي العالم أجمع . إنها بداية طقسية دينية مرتبطة بديانة الخصب العشتارية. أما الخنزير البري عدو المزروعات فقد دعي في التراث السوري ب (الخنزير قاتل أدونيس) أي قاتل الخصب. ومع السوريين انتقلت هذه التسمية إلى بلاد اليونان فدعي هناك (خنزير كلي دونيا) أي قاتل أدونيس. والكلمة في القاموس السرياني من الفعل (قَل) أي قتل, أهلك وقد ذهبت إلى الانكليزية وصارت Kill= قتل.